أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مُستقبل مُتأرجح:

هل تتغير سياسات اليابان بعد تنحي كيشيدا؟

03 سبتمبر، 2024


أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أنه سيتنحى عن منصبه كزعيم للحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم؛ عندما تنتهي فترة ولايته كرئيس نهاية سبتمبر 2024. وعقب القرار سيختار الحزب بديلاً لـكيشيدا؛ وذلك نظراً لسيطرة الائتلاف الذي يقوده الحزب الليبرالي الديمقراطي على البرلمان الياباني.

ومن المُرجّح أن تدعو الحكومة الجديدة بعد ذلك إلى انتخابات مُبكرة، ولن تنتظر إلى أكتوبر 2025 وهو الموعد المقرر للانتخابات المقبلة؛ إذ يأمل الحزب في أن يساعده وجود رئيس وزراء جديد على الحفاظ على أغلبيته البرلمانية، وتأمين سنوات جديدة للحزب في الحكم. ووفقاً للوائح، سيتم فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية للحزب الليبرالي الديمقراطي لاختيار خليفة كيشيدا في الفترة من 20 إلى 29 سبتمبر 2024.

تراجع التأييد:

يمكن حصر أبرز أسباب قرار كيشيدا بالتنحي في التالي:

1. تراجع التأييد الشعبي: شهدت الأشهر الأخيرة تراجعاً واضحاً في التأييد الشعبي لكيشيدا؛ ففي فبراير 2024 أظهر استطلاع للرأي أجرته صحف محلية أن 14% فقط من الناخبين وافقوا على أداء إدارة كيشيدا، كما كان التأييد له أقل من 22% في يوليو من نفس العام، وهو أقل بكثير من مستوى 30% الذي أسقط رؤساء الوزراء اليابانيين السابقين، وكان كيشيدا يعاني من انخفاض معدلات التأييد؛ بسبب قضايا تتعلق بجدل حول التمويل السياسي للحزب، كما سيتم توضيحه لاحقاً، بالإضافة لما اعتبرته بعض الأوساط اليابانية قصوراً في التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية.

2. أزمة الرشاوي السياسية: زادت أزمة الرشاوي السياسية من تراجع شعبية كيشيدا. ففي نوفمبر 2023؛ كشفت وسائل إعلام يابانية أن مجموعات رئيسية في الحزب الليبرالي الديمقراطي لم تبلغ بشكل صحيح عن الأموال التي تلقتها من جمع التبرعات، وكان أعضاء الحزب الديمقراطي الليبرالي يحصلون على الفائض كرشاوٍ؛ الأمر الذي مثل إحراجاً كبيراً لكيشيدا كرئيس للحزب ورئيس للوزراء رغم أنه لم يكن مُتورطاً في هذه الممارسات.

وقد أدّت فضيحة التمويل السياسي خلال فترة ولاية كيشيدا إلى أزمة مُعقّدة ومُمتدة بشأن التمويل السياسي، وأسفرت في النهاية عن تفكيك كل المجموعات القديمة تقريباً داخل حزبه الليبرالي الديمقراطي الحاكم، وسقوط العديد من كبار الساسة، وانتشار رفض عامة الناس في اليابان لسياسات الحزب الحاكم؛ وهو ما دفع في النهاية إلى حتمية قرار التنحي.

3. صعوبات اقتصادية مُتزايدة: إلى جانب أزمة التمويل السياسي؛ أسهمت التحديات الاقتصادية في انخفاض شعبية كيشيدا، وعلى الرغم من جهوده لمحاربة التضخم؛ فإن مجموعة من اضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار الطاقة، وانخفاض قيمة الين، دفعت التضخم إلى نحو 4%؛ مما يمثل ضِعف الرقم المستهدف من بنك اليابان المركزي؛ إذ فشلت سياسات محافظ بنك اليابان السابق هاروهيكو كورودا، في الإبقاء على التضخم عند نسبة 2%؛ الأمر الذي أدّى لارتفاع الأسعار وزيادة الاستياء لدى المواطنين، وذلك رغم خطة كيشيدا لتوسيع الإعانات والتخفيضات الضريبية الإجمالية لمُساعدة الأسر، وجهوده لانتشال اقتصاد اليابان من حالة الركود.

تحديات مُتصاعدة:

يمكن الإشارة إلى أبرز التحديات التي قد تواجه الخليفة المُحتمل لكيشيدا على النحو التالي:

1. معضلة اختيار خليفة لكيشيدا: إن أحد الأسئلة الحاسمة هو ما إذا كان زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي القادم سيكون من ذوي الخبرة والصلابة الكافية للتعامل مع التحديات الداخلية والدولية المقبلة. ويعمل الحزب على اختيار خليفة يتمتع بالمكانة لدى الجمهور وداخل الحزب، ويتنافس حالياً نحو 11 عضواً في الحزب على منصب كيشيدا، وتركز الترشيحات على وزير التجارة السابق توشيميتسو موتيجي (68 عاماً) ووزير الدفاع السابق شيجيرو إيشيبا (67 عاماً) ووزير الخارجية السابق تارو كونو (61 عاماً).

بجانب هؤلاء برزت أسماء أخرى، من بينها المرشح الشاب شينجيرو كويزومي (43 عاماً) والذي شغل منصب وزير البيئة في حكومتيْ رئيسي الوزراء السابقين شينزو آبي، ويوشيهيديه سوغا، وشينجيرو كويزومي، هو ابن رئيس الوزراء السابق جونيشيرو كويزومي، كما برز تاكايوكي كوباياشي، الذي أعلن ترشحه بعد أيام قليلة من إعلان كيشيدا، كما يسعى كاتسونوبو كاتو إلى الفوز بالمنصب؛ إضافة إلى ساناي تاكايتشي، حاملة لواء الجناح اليميني في الحزب الليبرالي الديمقراطي، والتي ستصبح أول رئيسة وزراء في اليابان في حال فوزها بالمنصب.

2. استمرار تراجع المعارضة: سيواجه خليفة كيشيدا المُحتمل معارضة مُشتتة؛ مما قد يتيح له الفرصة لاتخاذ السياسات التي يرغب في تطبيقها؛ فحتى مع انخفاض الدعم للحزب الليبرالي الديمقراطي وكيشيدا، كانت أحزاب المعارضة مُجزّأة وضعيفة؛ وكانت المكاسب المُحدودة في الانتخابات المحلية تعكس عدم شعبية الحزب الليبرالي الديمقراطي، وليس ارتفاع حظوظ أحزاب المعارضة التي لم تقدم أي سياسات بديلة؛ مما قد يسهل مهمة خليفة كيشيدا المحتمل.

3. وضع دولي مُتغير: يواجه رئيس الوزراء الياباني القادم وضعاً دولياً شديد التعقيد؛ إذ تتواصل التهديدات الصينية لاغتنام الفرص للاستيلاء على جزر سينكاكو/ دياويو، المُتنازع عليها مع الصين، بالإضافة إلى ذلك، تستمر بيونغ يانغ في تطوير الصواريخ النووية والبالستية، والتي تراها طوكيو مُهدّدة لأمنها القومي. كما تستمر الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الخاصة بزيادة التعاون الروسي مع كلٍ من الصين وكوريا الشمالية في ظل احتمالات فوز المرشح الجمهوري والرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ مما قد يمثل تحدياً جديداً لخليفة كيشيدا المحتمل.

سياسات مُتوقعة:

سيكون على خليفة كيشيدا اتخاذ مجموعة من القرارات المصيرية إذا ما أراد الحزب الاستمرار في السلطة والفوز بالانتخابات المبكرة المتوقعة؛ ومنها داخلية اقتصادية واجتماعية، وأخرى خارجية؛ وهي المتعلقة بالسياسات الإقليمية وتعزيز القدرات الدفاعية اليابانية بشكل جذري.

وقد عمل كيشيدا على تعزيز السياسة الأمنية التي بدأها رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، إلّا أنه تجنب المناقشات حول التسلح النووي وقدرات الردع في اليابان، وهي القضية التي ستُعد محورية أمام خليفته؛ خاصة وسط التوترات مع الصين وكوريا الشمالية، كما سيعمل الخليفة المُحتمل على دعم علاقات طوكيو مع دول الجوار لمواجهة التحديات الإقليمية والخارجية والداخلية.

1. شيخوخة السكان: تُعد أزمة الشيخوخة في اليابان أحد أبرز التحديات التي سيكون على خليفة كيشيدا التعامل معها؛ وذلك من خلال سياسات داعمة للإنجاب؛ إذ تُعد هذه الأزمة أحد أبرز مصادر القلق في اليابان؛ خاصة بالنسبة للاقتصاد والأمن الوطني، ومن المُتوقع أن ينخفض عدد سكان البلاد، الذي يزيد عن 125 مليون نسمة إلى 86.7 مليون نسمة بحلول عام 2060؛ وهو ما يعني أن الاقتصاد الياباني في طريقة إلى أزمات مُتعددة؛ خاصة مع ضعف سياسات دعم الهجرة، وما تتضمنه من تأثيرات في الاقتصاد الياباني.

2. مُواجهة التضخم: ينتظر الناخبون في اليابان من خليفة كيشيدا سياسات جديدة لمواجهة التضخم، والذي تسبب على مدار 3 سنوات من ولايته في غضب أغلب اليابانيين، وأدى لتراجع شعبيته بشكل حاد، وظلت أزمة ارتفاع الأسعار أحد الشواغل الرئيسية للمواطنين؛ إذ ارتفعت وتيرة التضخم في أغسطس 2024؛ مما قد يدفع بنك اليابان لمواصلة رفع أسعار الفائدة بوتيرة تدريجية، في إطار مساعي البنك لدعم الاقتصاد، كما ارتفعت الأسعار بنسبة 2.4%؛ مما يزيد من الضغوط على المواطنين؛ الأمر الذي يتطلب استجابة عاجلة من رئيس الوزراء القادم.

3. دعم التعاون الإقليمي: قد يسعى رئيس الوزراء الياباني المقبل إلى تحسين العلاقات مع دول الجوار، خاصة مع كوريا الجنوبية وتهدئة التوترات الراهنة مع الصين، مع إيجاد الموارد اللازمة للاستمرار في سياسة تحويل اليابان بعيداً عن السلمية ونحو التعاون العسكري النشط مع الولايات المتحدة؛ إذ تم رفع الإنفاق الدفاعي بنحو 26%، وطلبت وزارة الدفاع اليابانية 8.54 تريليون ين (59 مليار دولار) للسنة المالية 2025؛ وهو أكبر طلب ميزانية على الإطلاق لمواجهة التحديات المتزايدة إقليمياً، إضافة إلى ضرورة الانخراط بشكل أكثر نشاطاً مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومواجهة تداعيات الأزمة في أوكرانيا والتوترات بين الكوريتيْن.

وفي التقدير؛ من المرجح أن يستفيد خليفة كيشيدا المُحتمل من إرث سلفه السياسي والاقتصادي في مواجهة التحديات التي خلفها؛ فرغم نجاح كيشيدا في تحقيق نجاحات ملموسة في ملفات اقتصادية على رأسها دعم الشركات الناشئة وشركات أشباه الموصلات، إضافة إلى جهوده لدعم العلاقات مع كوريا الجنوبية، والتي كانت اختراقاً كبيراً؛ فإن خليفة كيشيدا سيكون مضطراً للتعامل مع عدد من التحديات الداخلية والخارجية، على رأسها أزمة الديون والعلاقات مع الخصوم والحلفاء على حد سواء.